0 Comments و 0 Reactions
إذا ما تأملت حولك تجد الناس في غفلة عن استقبال زمانٍ شريف، وتحول بينهم وبين الاستعداد لهذا الشهر الفضيل العديد من الأمور ..
وبالأخص ونحن في زمان الصيف والناس في ملل، والجميع يريد أن يتنفس الصعداء ويهرب من مشاكله التي تُحيط به .. فيلجأون إلى وسائل الترفية والمرح، التي تجعلهم يتغافلون عن الواقع المرير ! .. فيعيش الغفلة وتفوته فرص الخير العظيمة .. يقول الله جلَّ وعلا {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] فمن سيعيش في غفلة، سيموت غافلاً وسيُبعَث غافلاً أيضًا ..
وشعبان هو زمان الغفلة .. كما قال النبي "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" [رواه النسائي وحسنه الألباني]وهو من أخطر الأزمان، إذ هو زمان رفع الأعمال إلى ربِّ العالمين ..
كما إنه زمان العُدة لرمضان .. يقول الله تعالى {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46] .. وأهل الغفلة هم القاعدون المخذولون والعياذ بالله.إذًا، كيف تنجو بنفسك وتُبدد تلك الغفلة؟
طرق تبديـــد سُحُب الغفلة
هناك عشرة أمور من أخذ بها أعدَّ العُدة الإيمانية لرمضان وأنقذ نفسه من الغفلة والحسرة، وهي:
1) تحقيق العبودية .. فالعبد يمتثل للأمر وليس له أن يعترض على أوامر الشرع .. فانكسر بين يدي ربِّك وافتقر له، وقل {.. إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ..} [مريم: 30]
2) خذ الكتاب بقوة .. اجعل من القرآن دستورًا لحياتك .. تخلَّق بخلق القرآن، كما قالت عائشة عن خُلُق النبي "كان خلقه القرآن" [صحيح الجامع (4811)]
وقد كان السلف الصالح يسمون شهر شعبان بشهر القراء، وكانوا يغلقون الحوانيت لكي يعكفوا على تلاوة القرآن استعدادًا لرمضان .. فعليك أن تقرأ كثيـــرًا من القرآن، وتقرأ تفسيره وتعمل بما فيه.ولن يُنجيك من الفتن إلا أن تستعصم بكتاب الله تعالى،،
3) تعلَّم .. قال رسول الله ".. إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " [رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني]
فإذا أردت أن تكون من ورثة النبي محمد والأنبياء الكرام من قبله .. عليك أن تتعلَّم العلم النافع، فتقرأ في التفسير والسُّنَّة والعقيدة والفقه وغيرها، وتُكثِر من الاستماع إلى المواعظ والدروس العلمية ..تعلَّم وافهم عن الله تبارك وتعالى، تنجُ من هذه الفتن ومن تلك الغفلات،،
4) حيثما حللت فانفع .. قال رسول الله "خير الناس أنفعهم للناس" [حسنه الألباني، صحيح الجامع (3289)]
فعليك أن تُفكِّر كيف تنفع بيتك، جيرانك، والحي الذي تقطنه، وجميع المجتمع .. فتكون بحق داعيًا إلى الله ، ليس بمجرد الخطب والمواعظ وإنما تستطيع أن تدعو بكلمة أو بخُلُق أو بسلوك أو حتى بإهداء هدية .. وحين تنفع غيرك تكن مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ، وتُبلَّغ المنزلة عند الله بأعظم الأعمال،،
5) صلاتك صِلاتُك .. وإذا أردت أن تعرف قدرك، فانظر إلى صلاتك ..هل تؤديها في أول الوقت؟ .. هل تحافظ على أهم شيءٍ فيها وهو الخشوع والخضوع لربِّ العالمين؟
هل تُكثِر من النوافل؟ .. وقد قال النبي ".. صلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين" [رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني] .. وقال لربيعة بن كعب "أعني على نفسك بكثرة السجود" [رواه مسلم]فمفتاح رفقة النبي محمد :: كثرة السجـــــود ..
قال رسول الله "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة " [رواه مسلم]وحينها يكون قلبك موصولاً بربِّ العالمين، فلا تتسلل الغفلة إليه،،
6) طهِّر نفسك ومالك بالزكـــــاة .. قال تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ..} [التوبة: 103]
فإذا علمت أن مالك ليس ملكًا لك وإنما هو وديعة استودعك الله إياها، ستُنفقه في سبيله بنفسِ طيبة وسيعود عليك بالبركة.
7) الاستقامة .. عن ثوبان قال: قال رسول الله "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" [رواه مالك وصححه الألباني] .. استقم على كثرة الصلاة والوضوء .. كن دائمًا متورعًا في مالك .. استقم على حُسن الخُلُق ..استقم ما دُمتُ حيًّا ..
قال ".. خير العمل أدومه وإن قل" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني] .. وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك (وفي رواية: غيرك)، قال "قل: آمنت بالله ثم استقم" [رواه مسلم]فإذا استقمت، بَعدَت عنك الغفلات وكنت عند ربِّ الأرض من أهل الرحمات،،
بر الوالدين .. فالبر أعظم الطاعة، قال ".. البر حسن الخلق .." [رواه مسلم]
فإن أعظم مُكفرات الذنوب وموجبات الرحمة: برك بأمك وأبيك ولو كان ذلك عسيرًا عليك .. عن ابن عمر قال: أتى النبي رجل فقال: إني أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟، فقال "هل لك من أم؟"، قال: لا، قال "فهل لك من خالة"، قال: نعم، قال "فبرها" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
وقد قال تعالى في حق الوالد المُشرك {.. فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً .. } [لقمان:15] .. فما بال لو كانا مؤمنين؟!
وعن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى رسول الله فاستأذنه في الجهاد، فقال "أحي والدك ؟"، قال: نعم، قال "ففيهما فجاهد" [متفق عليه]
9) التواضع .. فلا تتكبر بنفوذك أو منصبك، ولا تتجبَّر على خلق الله .. بل كن متواضعًا مع الخلق، حليـــمًا في معاملة الناس ..
10) التقوى .. اتقِ الله، تنجو من الحسرة والغفلة .. وعليك أن تتقِ الله تعالى في معاملتك للناس، وتعامل الله وليس الناس وحينها سَتُحَل جميع مشاكلك معهم؛ لأن البشر أهل عيبٍ ونقصان ولا يستطيعون صرفًا ولا عدلاً .. وإنما أنت تعامل ربَّ الناس في النــاس،، هذه عشر من أخذ بها، بُدِدت عنه سُحُب الغفلة وابتعد تمامًا عن حسرة يوم الحسرة،،
المحاذير الثلاثة ضد علاج الغفلة
احذر من تلك المحاذير الثلاثة التي ستعوقك عن الاستعداد للرمضان والتخلُّص من الغفلة:
1) لا للجدال والمراء .. فهناك من يُجادل ويريد أن يُبريء نفسه ويتحجج بأن ظروفه الصعبة لا تمكنه من الامتثال لأوامر الله تبارك وتعالى .. والمراء والجدال بالباطل يوقعان في الكُفران، ولن تصل إلى الحق أبدًا مادمت جدولاً ..
عن أبي أمامة قال: قال رسول الله "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]
عن أبي موسى الأشعري: عن رسول الله قال : "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن" [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]فلا يُغفَر لمُشرك أو مشاحن في ليلة المغفرة؛ لأنهما يرتكبان أعظم الخطايــــا .. الأولى:: في حق عبادة الله، والثانية:: في حق معاملة البشر ..
2) احذر الشرك الخفي ..
من فضل الله تعالى أن مَنَّ علينا بنعمة الإسلام والتوحيــد، لكن هناك شركيــــات خفيَّة احذرهــــا .. فإن للشرك أنـــــواع، ومنها الشرك الخفي الذي يكون في القلب ولا يطلِّع عليه أحد ولذا كان من أخطر الشرك .. فهل تصنع شيئًا من الشرك؟!
فبعض الناس يحبون أنفسهم أو شهواتهم أعظم من حبهم لله أو مثله .. فلذلك تراه يُقصِّر في حق الله لأجل شهوة .. وهذا خطرٌ عظيــــم .. قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [ البقرة: 165]
وبعض الناس يخـــاف من أشياء كالجن أو أناس آخرون، خوفًا أشد من خوفه من الله تعالى .. قال الله {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} [ النساء: 108]فاتقِ الله وراجع ما في قلبك تجاه الله وعَظِّم قدر ربِّكَ في قلبك،،
3) إيـــاكم والشحنـــــاء ..
قال رسول الله "تُعرَض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امرىء لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا" [رواه مسلم]
وأي اثنين بينهما شحناء وعداوة، يعتقد كلاً منهما أن الآخر قد ظلمه .. ومن هنا كان خُلُق العفو من علامات التقوى .. {.. وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ..} [البقرة: 237]فإلى كل من بينه وبين أخيـــه عداوة .. اكتب الآن لأخيك رسالة مفادها: "أنتَ مني في حِل" .. دعونا نتغافر، لعل الله يغفر لنا في ليلة المغفرة ..
وهو ليس بالأمر اليسير، بل يحتـــــاج إلى أشد أنواع مُجــاهدة النفس .. وقد قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] .. بالعفو وترك الشحنــاء، تُبلَّغ أعلى درجات الإسلام وهي الإحسان،،
طهِّر قلبك ..
قيل لرسول الله : أي الناس أفضل؟، قال "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟، قال "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]اللهم بــــارك لنا في شعبــان واكتبنا من أهل الغُفران في ليلة النصف من شعبان ..اللهم سلِّمنا إلى رمضان وسَلِّم لنا رمضان وتسلمه منا مُتقبلاً،،طرق تبديد سُحُب الغفلة(اضغط على الصورة لتكبيرها)طرق تبديد سُحُب...
|