بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه , أما بعد :
أنقل لكم جواب سؤال أجاب عنه العلامة ابن باز –رحمه الله- في مجموع الفتاوى يبين لنا أسباب عدم نزول المطر على بلاد المسلمين و قد ينزل على بلاد الكفار :
السؤال: كثيرا ما نسمع أن عدم نزول المطر من السماء سببه معاصي العباد , فإذا كان كذلك فهل الذين في الهند وغيرهم , الذين تأتيهم السيول باستمرار , يعبدون الله أكثر مما نحن نعبده , أو أن المسألة دوران فلك ... نرجو توضيح ذلك , حيث بذلك يتحدث الناس؟ .
الجواب:
على كل مسلم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وتكفل بأرزاقهم , سواء كانوا كفارا أو
مسلمين , قال تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } وقال جل وعلا : { وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو
الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }
وقال سبحانه : { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } فهو سبحانه خلق الخلق من جن
وإنس وكفار ومسلمين , وتكفل بأرزاقهم , فهو ينزل الأمطار , ويجري الأنهار في البلاد وغيرها ,
ويرزق هؤلاء وهؤلاء .
لكنه سبحانه يؤدب عباده المسلمين إذا فعلوا ما يخالف شرعه وعصوا أمره , فيعاقبهم إذا شاء
لينتهوا وليحذروا أسباب غضبه , فيمنع سبحانه القطر , كما منع ذلك جل وعلا في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم , وهو أصلح الناس , وعهده أصلح العهود , وصحابته أصلح العباد بعد
الأنبياء , ومع هذا ابتلوا بالقحط والجدب , حتى طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يستغيث لهم , « فقالوا : يا رسول الله , هلكت الأموال وانقطعت السبل , فادع الله أن
يغيثنا , فاستغاث لهم في خطبة الجمعة , ورفع يديه , وقال : اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا .
فأنزل الله المطر , وهو على المنبر صلى الله عليه وسلم أنشأ الله سبحانه سحابة , ثم اتسعت
فأمطرت, فخرج الناس تهمهم نفوسهم من شدة المطر , فلم يزل المطر حتى جاءت الجمعة
الأخرى , فجاءوا إليه وقالوا : يا رسول الله هلكت الأموال , وانقطعت السبل , فادع الله أن يمسكه
عنا , فضحك عليه الصلاة والسلام , من ضعف بني آدم , فرفع يديه وقال : اللهم حوالينا ولا علينا
اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر . قال أنس رضي الله عنه , الراوي لهذا
الحديث : فتمزق السحاب في الحال , وصارت المدينة في مثل الجوبة » .
فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أصيبوا بالجدب واستغاثوا , وهم خير
الناس , تعليما من الله سبحانه وتعالى لهم , وتوجيها لهم ولغيرهم إلى الضراعة إليه, وسؤاله عز
وجل من فضله, والتوبة إليه من تقصيرهم وذنوبهم؛ لأن تنبيههم بالجدب ونحوه من المصائب توجيه
لهم إلى أسباب النجاة , وليضرعوا إليه , وليعلموا أنه هو الرزاق الفعال لما يريد .
فإذا لم يتوبوا , فقد يعاقبهم الله سبحانه بالجدب والقحط وتسلط الأعداء أو غير ذلك من المصائب ؛
حتى ينتهوا ويرجعوا إلى الله , ويتوبوا إليه , ما قال عز وجل : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } وقال في قصة أحد لما أصابهم ما أصابهم من الهزيمة والقتل والجراح
لبعضهم : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ }
وفي يوم بدر كان النصر للمسلمين والهزيمة للكفار , وأسر منهم سبعون وقتل سبعون , وفي يوم
أحد جرى على المسلمين مصائب بأسباب نفوسهم ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر
الرماة أن يلزموا الثغر الذي خلف المسلمين , وكانوا خمسين , أمر عليهم عبد الله بن جبير , وقا ل
لهم : لا تبرحوا مكانكم ولو رأيتمونا تتخطفنا الطير , سواء نصرنا أم لم ننتصر , لا تبرحوا مكانكم .
فلما نصر الله المسلمين , وانهزم الكفار ظن الرماة أنها الفيصلة , وأن الأمر انتهى وما بقي إلا
جمع الغنائم , فانصرفوا من مكانهم , فأمرهم أميرهم أن يبقوا , وذكرهم بكلام الرسول صلى الله
عليه وسلم فامتنعوا عليه , وقالوا : إن الأمر انتهى والكفار انهزموا . فلما فعلوا ذلك جاءت خيل
الكفار من خلف المسلمين , ودخلوا من الثغر الذي أهملوه , وصارت المصيبة على المسلمين
بأسبابهم .
والمقصود أن المسلمين قد يبتلون بأمور فيها تأديب وتمحيص لهم , وتكفير لذنوبهم, وفيها مصالح
كثيرة لهم , منها : أن ينتبهوا , وليعلموا أن النصر بيد الله , وأن كونهم عبدوا الله وحده , وكونهم
فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكفي , بل لا بد من العمل بطاعة الله , والقيام بأمره
سبحانه , والصبر على جهاد أعدائه , ولهذا نبههم بقوله سبحانه : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أ
َصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فإذا كان
الرسول وأصحابه تصيبهم عقوبات الذنوب , وبيتلون كما يبتلى غيرهم , فكيف بغيرهم؟
أما أولئك الكفرة فقد فرغ منهم عدو الله الشيطان , وقد أطاعوه وتابعوه فى دول كثيرة من العالم ,
فإذا أجرى الله عليهم النعم , وأدر عليهم الرزق , وجاءتهم الأمطار , فهو استدراح لهم , والعاقبة
وخيمة كما قال تعالى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أ
ُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } وقوله سبحانه : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ
ِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } الآية .
وقد يعجل الله لهم العقوبات في الدنيا , كما نزلت بهم في الحروب العظمى بسبب الكفر
والذنوب , وكما يعاقبون بأنواع العقوبات الأخرى , كالأوبئة والأمراض العامة وغيرها لعلهم يرجعون