ف
. ح . فتاة في عمر متقدم تعودت أن تكون قاسية على نفسها تحقرها وتذمها .
ولم يصدف أن إنتقدت الناس إنتقاداً لاذعاً ، ولا عاملتهم بقسوة كلامية .
ومع ذلك تعتقد أنها محقة في معاملة نفسها بالصورة التي ذكرناها . وعلى نقيض
نظرتها إلى ذاتها فإن الناس يحبونها حباً جماً . ف . ح . لا تعرف لماذا
يخيم الكرب والبؤس عليها في معظم الأوقات ، وتعاني من تدن في إحترام الذات
وتقديرها .
نحن
نتكلم مع ذواتنا دوماً .. فالكلام مع الذات هو ترجمة للتفكير والأفكار
الذهنية التي تطوف فى وعينا . ودماغنا هو دوماً في نشاط دائم وينعكس نشاطه
فى أحاديثنا مع ذواتنا ، وعلى غرار تأثيرات أحاديث وكلام الناس معنا ، فإن
أحاديثنا مع ذواتنا تؤثر فيها أيضاً . وعلى حد قول العلامة دونالند
ميخومبوم : الكلام مع الذات يوجه العواطف والسلوك ويحددهما من سوء الحظ ،
هناك الكثيرمن الناس يكلمون ذواتهم بما لا يثريهم ، ويُدنّي من إحترامهم
لذواتهم . وقد يكون السبب إنتقاد الوالدين والمعلمين وغيرهم مما يجعلهم أي
هؤلاء الناس يؤمنون بوجود سلبيات كثيرة في شخصياتهم .
فهل أنت أحد ضحايا هذه السلبيات السلوكية ؟
إذن
الأحاديث مع الذات عند شرائح كبيرة من الناس تتضمن ما يدني من ذواتهم
ويعزز مثالبهم وعيوبهم مثلاً قد يقولون لذواتهم : " أنا أحمق " " أنا أناني
" " أتصرف كالمعتوه " تعودت أن أذم ذاتي وأصفها بالسوء " إلى ما هناك من
أحاديث محقرة للذات تولد مشاعر النقص والدونية والصغار والأفكار المهزومة
للذات .
عرفت
فتاة ذاتها مبرمجة دوماً حول إدانة الذات وتحقيرها . فأية ملاحظة نقدية
تأتي من والديها أو أفراد أسرتها تكون بمثابة منبه cue إشراطي فتستجيب
بسيل من تجريح الذات ولومها وتقريعها .
إن
الكلام السلبي مع الذات يولد عادة القلق والإكتئاب ، وغير ذلك من النتائج
المدمرة للصحة النفسية . ولعل النبوءات التي يخترعها الفرد ضد ذاته تبدو
شائعة بين الناس ، إذ تبدأ بالإيمان بدعواك وبدعايتك ، وتجلب لذاتك ما
يخيفها وهذا ما سنتكلم عنه بالتفصيل لا حقاً .
وعلى
نقيض ذلك يكون " الصح " فالكلام الإيجابي مع الذات يقدم نتاجات مرغوبة
ويولد مشاعر جديدة . عندما واجهت ف . ح . - الفتاة التى ذكرنا قصتها -
موقفاً صعباً قالت لذاتها : " إنه أمر لا أمل منه ولا أستطيع تحمله "
فأجابتها والدتها قائلة : " لا يوجد سبب كي تنزعجي . سأبسط الأمر ،
وأتعامل معه خطوة بخطوة ، وقد أنجز شيئاً جيداً . " لنلاحظ الفرق بين
الحديث الأول والحديث الثاني . فالأم لديها حظ أكبر بالنجاح نتيجة نظرتها
المتفائلة الإيجابية .
والسؤال المطروح : هل أن تبديل حديثك مع ذاتك يعطيك عوناً وفائدة ؟
بالتأكيد نعم " قل لذاتك مراراً وتكراراً أنك ستفشل فإنك ستفشل " .
" قل لذاتك مراراً وتكراراً أنك ستنجح فسيحالفك النجاح ، وبخاصة إذا كان هذا النجاح يصنعه جهدك ومثابرتك " .
لذا
تكلم مع ذاتك عن ماضي نجاحاتك ، وعن الأوقات التي أنجزت فيها أشياء وعن
المرات التي تغلبت فيها على الصعوبات ، وعن الأيام التي كنت تشعر بالشعور
الجيد . ولطالما شعرت بالمزاج الجيد ، فستشعر الآن بالشعور الطيب والجيد .
وربما أنك تغلبت على الصعوبات سابقاً فستتغلب أيضاً عليها الآن . ومن
الجائز أن الناس الذين هم أكثر نجاحاً قد واجهوا الفشل أكثر من غيرهم ، ذلك
لأنهم حاولوا وجربوا أشياء كثيرة والأمثلة في الحياة كثيرة عن أمثال هؤلاء
الذين على الرغم من فشلهم المتكرر ظلوا يؤمنون ويثقون في ذواتهم وفي ما
يرغبون في تحقيقه .
- لا تركز إهتمامك على الفشل .
- إنظر إلى الأخطاء كخبرات تعليمية ولنمو الذات وللمعرفة ، ولا تنظر إليها بما يدني من الذات ويضعفها .
- لا تنغمس في تجريم ذاتك وتخطئتها فهذا يؤدي إلى فقدان إعتبارك لذاتك ، والتقوقع والإنحسار الحياتي والإكتئاب.
تذكر
أن الفرق بين الأحمق والحكيم هو : ليس في كون الحكيم لا يرتكب الأخطاء ،
ولكن في تعلمه من الأخطاء التى إرتكبها ، بدلاً من أن يجرم ذاته لأنه إرتكب
الخطأ : " أنا غبي : " أنا سيىء " " أنا تافه " .
الدكتور محمد حمدي الحجار
استشاري العلاج النفسي السلوكي وأستاذ علم النفس السريري سابقاً / دمشق